فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وقال الملك إني أرى سبع بقراتٍ سمان...} الآية. وهذه الرؤيا رآها الملك الأكبر الوليد بن الريان وفيها لطف من وجهين:
أحدهما: أنها كانت سببًا لخلاص يوسف من سجنه.
الثاني: أنها كانت نذيرًا بجدب أخذوا أهبته وأعدوا له عدته.
{يا أيها الملأ افتوني في رؤياي} وذلك أن الملك لما لم يعلم تأويل رؤياه نادى بها في قومه ليسمع بها من يكون عنده عِلْمٌ بتأويلها فيعبرها له.
قوله عز وجل: {قالوا أضغاث أحلام} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يعني أخلاط أحلام، قاله معمر وقتادة.
الثاني: ألوان أحلام، قاله الحسن.
الثالث: أهاويل أحلام قاله مجاهد.
الرابع: أكاذيب أحلام، قاله الضحاك.
وفيه خامس: شبهة أحلام، قاله ابن عباس.
قال أبو عبيدة: الأضغاث ما لا تأويل له من الرؤيا، ومنه قول الشاعر:
كضغث حلم عُزَّ منه حالمُه

وروى هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب». وفي تقارب الزمان وجهان:
أحدهما: أنه استواء الليل والنهار لأنه وقت اعتدال تنفتق فيه الأنوار وتطلع فيه الثمار فكان أصدق الزمان في تعبير الرؤيا.
الثاني: أنه آخر الزمان وعند انتهاء أمده.
والأضغاث جمع واحده ضغث والضغث الحزمة من الحشيش المجموع بعضه إلى بعض وقيل هو ملء الكف، ومنه قوله تعالى: {خذ بيدك ضغثًا} وقال ابن مقبل.
خَوْذٌ كَأَنَّ فِرَاشَهَا وُضِعَتْ بِهِ ** أَضْغَاثُ رَيْحَانٍ غَدَاةَ شَمَالِ

والأحلام جمع حُلم، والحُلم الرؤيا في النوم، وأصله الأناة، ومنه الحلم ضد الطيش فقيل لما يرى في النوم حلم لأنها حال أناة وسكون.
{وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين} فدل ذلك على أنه ليس التأويل الأول مما تؤؤل به الرؤيا هو الحق المحكوم به لأن يوسف عرفهم تأويلها بالحق، وإنما قال يوسف للغلامين: {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان} لأنه منه نذير نبوة. ويجوز أن يكون الله تعالى صرف هؤلاء عن تفسير هذه الرؤيا لطفًا بيوسف ليتذكر الذي نجا منهما حاله فتدعوهم الحاجة إليه فتكون سببًا لخلاصه. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تعالى: {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ}، فَإِنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الرُّؤْيَا كَانَتْ صَحِيحَةً وَلَمْ تَكُنْ أَضْغَاثَ أَحْلَامٍ؛ لِأَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَبَّرَهَا عَلَى سِنِي الْخَصْبِ، وَالْجَدْبِ وَهُوَ يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الرُّؤْيَا عَلَى أَوَّلِ مَا تُعَبَّرُ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ قَالُوا هِيَ أَضْغَاثُ أَحْلَامِ وَلَمْ تَقَعْ كَذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الرُّؤْيَا بِأَنَّ الرُّؤْيَا عَلَى رَجُلٍ طَائِرٍ، فَإِذَا عَبَرَتْ وَقَعَتْ. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}.
فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
فِيهَا صِحَّةُ رُؤْيَا الْكَافِرِ، وَلاسيما إذَا تَعَلَّقَتْ بِمُؤْمِنٍ، فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ آيَةً لِنَبِيٍّ، وَمُعْجِزَةً لِرَسُولٍ، وَتَصْدِيقًا لِمُصْطَفًى لِلتَّبْلِيغِ، وَحُجَّةً لِلْوَاسِطَةِ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعِبَادِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
قَالُوا: أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ يَعْنِي: أَخْلَاطًا مَجْمُوعَةً، وَاحِدُهَا ضِغْثٌ: وَهُوَ مَجْمُوعٌ مِنْ حَشِيشٍ أَوْ حَطَبٍ.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ}.
وَقَدْ رُوِيَ: «الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ».
وَقَدْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ صَحِيحِ الْكَلَامِ، وَلَا قَطْعِ تَفْسِيرِ الرُّؤْيَا إذْ لَمْ يَأْتِهَا مِنْ بَابِهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّ الصِّدِّيقَ لَمَّا أَخْطَأَ فِي تَفْسِيرِ الرُّؤْيَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا احْتَمَلَتْ وُجُوهًا مِنْ التَّفْسِيرِ، فَعَيَّنَ بِتَأْوِيلِهِ أَحَدَهَا جَازَ، وَمَنْ تَكَلَّمَ بِجَهْلٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا عَلَيْهَا، وَإِنْ أَصَابَ.
وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: «الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تَتَحَدَّثْ بِهَا، فَإِذَا تَحَدَّثْت بِهَا سَقَطَتْ، وَلَا تُحَدِّثْ بِهَا إلَّا حَبِيبًا أَوْ لَبِيبًا».
وَهَذَا مَعْنَى الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ، فَإِنَّهُ إذَا تَحَدَّثَ بِهَا فَفُسِّرَتْ نَفَذَ حُكْمُهَا إذَا كَانَ بِحَقٍّ عَنْ عِلْمٍ، لَا كَمَا قَالَ أَصْحَابُ الْمَلِكِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا تَفْسِيرًا، وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَمْحُوهَا عَنْ صَدْرِ الْمَلِكِ حَتَّى لَا تَشْغَلَ لَهُ بَالًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
قَوْله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}.
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَعْلَمُونَ بِمَكَانِك، فَيَظْهَرُ عِنْدَهُمْ فَضْلُك حَتَّى يَكُونَ سَبَبَ خَلَاصِك، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْعِلْمُ عَلَى بَابِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا، وَيُسَمَّى عِلْمًا، وَإِنْ كَانَ ظَنًّا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ كُلُّ ظَنٍّ شَرْعِيٍّ يَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ الَّذِي أُسْنِدَ إلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ}.
وَهَذَا عَامٌ لَمْ يَقَعْ السُّؤَالُ عَنْهُ، فَقِيلَ، إنَّ اللَّهَ زَادَهُ عِلْمًا عَلَى مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ إظْهَارًا لِفَضْلِهِ وَإِعْلَامًا بِمَكَانِهِ مِنْ الْعِلْمِ، وَمَعْرِفَتِهِ.
وَقِيلَ: أَدْرَكَ ذَلِكَ بِدَقَائِقَ مِنْ تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا لَا تَرْتَقِي إلَيْهَا دَرَجَتُنَا.
وَهَذَا صَحِيحٌ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:
قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إلَى رَبِّك} ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْت فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْت الدَّاعِيَ» وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ: «يَرْحَمُ اللَّهُ يُوسُفَ، لَوْ كُنْت أَنَا الْمَحْبُوسُ، ثُمَّ أُرْسِلَ إلَيَّ لَخَرَجْت سَرِيعًا، إنْ كَانَ لَحَلِيمًا ذَا أَنَاةٍ».
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ عَجِبْت مِنْ يُوسُفَ وَصَبْرِهِ وَكَرَمِهِ، وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، حِينَ سُئِلَ عَنْ الْبَقَرَاتِ، وَلَوْ كُنْت مَكَانَهُ لَمَا أَخْبَرْتهمْ حَتَّى أَشْتَرِطَ أَنْ يُخْرِجُونِي.
لَقَدْ عَجِبْت مِنْهُ حِينَ أَتَاهُ الرَّسُولُ، لَوْ كُنْت مَكَانَهُ لَبَادَرْتهمْ الْبَابَ»
.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّمَا لَمْ يُرِدْ يُوسُفُ الْخُرُوجَ مِنْ السِّجْنِ حَتَّى تَظْهَرَ بَرَاءَتُهُ، لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَيْهِ الْمَلِكُ بِعَيْنِ الْخَائِنِ، فَيَسْقُطَ فِي عَيْنِهِ، أَوْ يَعْتَقِدَ لَهُ حِقْدًا، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ سِجْنَهُ كَانَ جَوْرًا مَحْضًا، وَظُلْمًا صَرِيحًا، وَانْظُرُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ إلَى عَظِيمِ حِلْمِهِ، وَوُفُورِ أَدَبِهِ، كَيْفَ قَالَ: مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، فَذَكَرَ النِّسَاءَ جُمْلَةً، لِيُدْخِلَ فِيهِنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ مَدْخَلَ الْعُمُومِ بِالتَّلْوِيحِ، وَلَا يَقَعَ عَلَيْهَا تَصْرِيحٌ. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ}
المعنى: {وقال الملك} الأعظم: {إني أرى} يريد في منامه، وقد جاء ذلك مبينًا في قوله تعالى: {إني أرى في المنام أني أذبحك} [الصافات: 104]. وحكيت حال ماضية ف: {أرى} وهو مستقبل من حيث يستقبل النظر في الرؤيا. {سبع بقرات سمان} يروى أنه قال: رأيتها خارجة من نهر، وخرجت وراءها: {سبع عجاف}، فرأيتها أكلت تلك السمان حتى حصلت في بطونها ورأى السنابل أيضًا كما ذكر، والعجاف التي بلغت غاية الهزال، ومنه قول الشاعر: الكامل:
ورجال مكة مسنتون عجاف

ثم قال لجماعته وحاضريه: {يا أيها الملأ أفتوني}.
قرأت فرقة بتحقيق الهمزتين، وقرأت فرقة بأن لفظت بألف: {أفتوني} واوًا.
وقوله: {للرؤيا} دخلت اللام لمعنى التأكيد والربط، وذلك أن المفعول إذا تقدم حسن في بعض الأفعال أن تدخل عليه لام، وإذا تأخر لم يحتج الفعل إلى ذلك. وعبارة الرؤيا مأخوذة من عبر النهر، وهو تجاوزه من شط إلى شط، فكأن عابر الرؤيا ينتهي إلى آخر تأويلها.
وقوله: {قالوا أضغاث أحلام} الآية، الضغث في كلام العرب أقل من الحزمة وأكثر من القبضة من النبات والعشب ونحوه، وربما كان ذلك من جنس واحد. وربما كان من أخلاط النبات، فمن ذلك قوله تعالى: {وخذ بيدك ضغثًا} [ص: 44] وروي أنه أخذ عثكالًا من النخل، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل نحو هذا في حد أقامه على رجل زمن، ومن ذلك قول ابن مقبل: الكامل:
خود كأنَّ فراشها وضعت به ** أضغاث ريحان غداة شمال

ومن الأخلاط قول العرب في أمثالها: ضغث على إبالة فيشبه اختلاط الأحلام باختلاط الجملة من النبات، والمعنى أن هذا الذي رأيت أيها الملك اختلاط من الأحلام بسبب النوم، ولسنا من أهل العلم بذلك، أي بما هو مختلط ورديء؛ فإنما نفوا عن أنفسهم عبر الأحلام لا عبر الرؤيا على الإطلاق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان». وقال للذي كان يرى رأسه يقطع ثم يرده فيرجع: «إذا لعب الشيطان بأحدكم في النوم فلا يحدث بذلك». قال القاضي أبو محمد: فالأحلام وحِدثان النفس ملغاة، والرؤيا هي التي تعبر ويلتمس علمها.
والباء في قولهم: {بعالمين} للتأكيد، وفي قولهم: {بتأويل} للتعدية وهي متعلقة بقولهم: {بعالمين}.
و{الأحلام} جمع حلم، يقال: حلَم الرجل- بفتح اللام- يحلم: إذا خيل إليه في منامه، والأحلام مما أثبتته الشريعة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا من الله وهي المبشرة والحلم المحزن من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليتفل على يساره ثلاث مرات وليقل: أعوذ بالله من شر ما رأيت، فإنها لا تضره».
وما كان عن حديث النفس في اليقظة فإنه لا يلتفت إليه.
ولما سمع الساقي- الذي نجا- هذه المقالة من الملك ومراجعة أصحابه، تذكر يوسف وعلمه بتأويل الأحلام والرؤى، فقال مقالته في هذه الآية. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقَالَ الملك إني أرى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ}
لما دنا فرج يوسف عليه السلام رأى الملك رؤياه، فنزل جبريل فسلم على يوسف وبشّره بالفرج وقال: إن الله مخرجك من سجنك، ومُمكِّن لك في الأرض، يذل لك ملوكها، ويطيعك جبابرتها، ومعطيك الكلمة العليا على إخوتك، وذلك بسبب رؤيا رآها الملك، وهي كيت وكيت، وتأويلها كذا وكذا، فما لبث في السجن أكثر مما رأى الملك الرؤيا حتى خرج، فجعل الله الرؤيا أولًا ليوسف بلاء وشدّة، وجعلها آخرًا بشرى ورحمة؛ وذلك أن الملك الأكبر الريّان بن الوليد رأى في نومه كأنما خرج من نهر يابس سبع بقراتٍ سِمان، في أثرهنّ سبع عِجاف أي مهازيل وقد أقبلت العِجَاف على السِّمان فأخذن بآذانهنّ فأكلنهنّ، إلا القرنين، ورأى سبع سنبلات خُضْرٍ قد أقبل عليهن سبع يابسات فأكلنهنّ حتى أتين عليهنّ فلم يبق منهنّ شيء وهنّ يابسات، وكذلك البقر كنّ عِجافًا فلم يزد فيهنّ شيء من أكلهنّ السِّمان، فهالته الرؤيا، فأرسل إلى الناس وأهل العلم منهم والبصر بالكَهَانة والنّجامة والعَرَافة والسِّحر، وأشراف قومه، فقال: {يا أيها الملأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ} فقصّ عليهم، فقال القوم: {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} قال ابن جريج قال لي عطاء: إن أضغاث الأحلام الكاذبة المخطئة من الرؤيا.
وقال جُوَيبر عن الضّحاك عن ابن عباس قال: إن الرؤيا منها حق، ومنها أضغاث أحلام، يعني بها الكاذبة.
وقال الهَرَويّ: قوله تعالى: {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} أي أخلاط أحلام.
والضِّغث في اللغة الحُزْمة من الشيء كالبقل والكلإ وما أشبههما، أي قالوا: ليست رؤياك ببيّنة، والأحلام الرؤيا المختلطة.
وقال مجاهد: أضغاث الرؤيا أهاويلها.
وقال أبو عبيدة: الأضغاث ما لا تأويل له من الرؤيا.
قوله تعالى: {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} حذفت الهاء من: {سبع} فرقًا بين المذكر والمؤنث: {سِمَانٍ} من نعت البقرات، ويجوز في غير القرآن سبعَ بقراتٍ سِمانًا، نعت للسبع، وكذا خُضرًا، قال الفراء: ومثله. {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [الملك: 3]. وقد مضى في سورة البقرة اشتقاقها ومعناها.
وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: المَعِز والبقر إذا دخلت المدينة فإن كانت سمانًا فهي سِنيّ رخاء، وإن كانت عجافًا كانت شدادًا، وإن كانت المدينة مدينة بحر وإبّان سفر قدمت سفن على عددها وحالها، وإلا كانت فِتَنًا مترادفة، كأنها وجوه البقر، كما في الخبر «يشبه بعضها بعضًا».
وفي خبر آخر في الفتن: «كأنها صياصي البقر» يريد لتشابهها، إلا أن تكون صُفْرًا كلها فإنها أمراض تدخل على الناس، وإن كانت مختلفة الألوان، شنيعة القرون وكان الناس ينفرون منها، أو كأن النار والدخان يخرج من أفواهها فإنه عسكر أو غارة، أو عدوّ يضرب عليهم، وينزل بساحتهم.